الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَاءَكَ نَصْرُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ عَلَى قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْفَتْحُ: فَتْحُ مَكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ} مِنْ صُنُوفِ الْعَرَبِ وَقَبَائِلِهَا أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْهُمْ، وَقَبَائِلِ نِـزَارٍ {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} يَقُولُ: فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي ابْتَعَثَكَ بِهِ، وَطَاعَتِكَ الَّتِي دَعَاهُمْ إِلَيْهَا أَفْوَاجًا، يَعْنِي زُمَرًا، فَوْجًا فَوْجًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}: فَتْحُ مَكَّةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} النَّصْرُ حِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْحَنَفِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ قَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟ قَالَ: " قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ "». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ تُكْثِرُ قَوْلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} "». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، «عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَه». حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، «عَنْ عِكْرِمَةََ قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ "قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟ قَالَ: " رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ "». وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَفْوَاجًا) فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَعْنَى أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَقَدْ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} قَالَ: زُمَرًا زُمَرًا. وَقَوْلُهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}. يَقُولُ: فَسَبِّحْ رَبَّكَ وَعَظِمْهُ بِحَمْدِهِ وَشُكْرِهِ، عَلَى مَا أَنْجَزَ لَكَ مِنْ وَعْدِهِ. فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ لَاحِقٌ بِهِ، وَذَائِقٌ مَا ذَاقَ مِنْ قَبِلَكَ مِنْ رُسُلِهِ مِنْ الْمَوْتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ، قَالَ: فَأَنْتَ يَا بْنَ عَبَّاسٍ مَا تَقُولُ: قُلْتُ: مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُدْنِيهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} السُّورَةُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَجْلُهُ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُميدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا هِيَ؟ يَعْنِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} حَتَّى بَلَغَ: (وَاسْتَغْفِرْهُ) إِنَّك مَيِّتٌ {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فَقَالَ عُمَرَ: مَا نَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا قُلْتَ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} عَلِمَ النَّبِيُّ أَنَّهُ نُعِيَتَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، فَقِيلَ لَهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ رَسُولُُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، كَأَنِّي مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ "». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ: ذَاكَ حِينَ نَعَى لَهُ نَفْسَهُ يَقُولُ: إِذَا {رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} يَعْنِي إِسْلَامَ النَّاسِ، يَقُولُ: فَذَاكَ حِينَ حَضَرَ أَجَلَكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأَمَوِيُّ، قَالَا ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْك" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاكَ قَدْ أَحْدَثَتْهَا تَقَوُّلُهَا؟ قَالَ: " قَدْ جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخِرِ السُّورَة». حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَة: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أُنْـزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} لَا يَقُولُ قَبْلَهَا: سُبْحَانَكَ رَبِّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي "». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ الْقُرْآن». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ دَاوُدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَرُبَّمَا قَالَ عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "سُبْحَانَ اللَّه وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْه" فَقُلْتُ: إِنَّك تُكْثِرُ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: " إِنَّ رَبِّي قَدْ أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأَرَى عَلَّامَةً فِي أُمَّتِي، وَأَمَرَنِي إِذَا رَأَيْتُ تِلْكَ الْعَلَامَةَ أَنْ أُسَبِّحَ بِحَمْدِهِ، وَأَسْتَغْفِرَهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، فَقَدْ رَأَيْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} "». حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، قَالَ: ثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، «عَنْأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ لَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ، وَلَا يَذْهَبُ وَلَا يَجِيءُ إِلَّا قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِه" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّك تُكْثِرُ مِنْ سُبْحَانِ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، لَا تَذْهَبُ وَلَا تَجِيءُ، وَلَا تَقُومُ وَلَا تَقْعُدُ إِلَّا قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، قَالَ: " إِنِّي أُمِرْتُ بِهَا "» فَقَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: نَـزَلَتْ سُورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} كُلَّهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الدِّينِ، يَنْعَى إِلَيْهِ نَفْسَهُ. قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «لَمَّا نَـزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وَنُعِيَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسُهُ، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ يَجْلِسُ فِيهِ حَتَّى يَقُولَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "». قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: «لَمَّا نَـزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا كُلَّهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ السُّورَةُ عَلَمٌ وَحَدٌّ حَدَّهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعَى لَهُ نَفْسَه؛ أَيْ: إِنَّكَ لَنْ تَعِيشَ بَعْدَهَا إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ قَتَادَةُ: وَاللَّهِ مَا عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا سَنَتَيْنِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عِيسَى بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، سُبْحَانَكَ رَبِّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ "». حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}: كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ آيَةً لِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} قَالَ: اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَمُوتُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَاسْتَغْفِرْهُ) يَقُولُ: وَسَلْهُ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَكَ. يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ ذَا رُجُوعٍ لِعَبْدِهِ الْمُطِيعِ إِلَى مَا يُحِبُّ. وَالْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ "إِنَّه" مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّصْرِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ، وَخَسِرَ هُوَ. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} تَبَّ عَمَلُهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: قَوْلُهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}: دُعَاءٌ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَتَبَّ) فَإِنَّهُ خَبَرٌ. وَيُذْكَرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ". وَفِي دُخُولِ "قَدْ" فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَيُمَثَّلُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ، لِآخَرَ: أَهْلَكَكَ اللَّهُ، وَقَدْ أَهْلَكَكَ، وَجَعَلَكَ صَالِحًا وَقَدْ جَعَلَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}: أَيْ خَسِرَتْ وَتَبَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قَالَ: التَّبُّ: الْخُسْرَانُ، قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا أُعْطَى يَا مُحَمَّدُ إِنْ آمَنْتُ بِكَ؟ قَالَ؟ "كَمَا يُعْطَى الْمُسْلِمُونَ"، فَقَالَ: مَالِي عَلَيْهِمْ فَضْلٌ؟ قَالَ: "وَأَيُّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟ " قَالَ: تَبًّا لِهَذَا مِنْ دِينٍ تَبًّا، أَنْ أَكُونَ أَنَا وَهَؤُلَاءِ سَوَاءٌ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} يَقُولُ: بِمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قَالَ: خَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَخَسِرَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَـزَلَتْ فِي أَبِي لَهَبٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَصَّ بِالدَّعْوَةِ عَشِيرَتَهُ، إِذْ نَـزَلَ عَلَيْهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} وَجَمَعَهُمْ لِلدُّعَاءِ، قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا دَعْوَتَنَا؟ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: "يَا صَبَاحَاهُ! "فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا وَجَمَعْتَنَا؟ ! فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إِلَى آخِرِهَا». حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا ثُمَّ نَادَى: "يَا صَبَّحَاهُ" فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ، وَبَيْنَ آخَرَ يَبْعَثُ رَسُولَهُ، فَقَالَ: "يَا بَنِي هَاشِمٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي... يَا بَنِي أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ"-يُرِيدُ تُغِيرُ عَلَيْكُمْ- صَدَّقْتُمُونِي؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا دَعْوَتَنَا؟ فَنَـزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} "». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: "يَا صَبَّاحَاهُ". فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ "، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ فَنَـزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ"» كَذَا قَرَّا الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرَ السُّورَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، فِي قَوْلِهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قَالَ: حِينَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى، فَذَكَّرَهُمْ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، فِي هَذَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا؟ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. وَقَوْلُهُ: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ، وَدَفَعَ مِنْ سَخِطَ اللَّهِ عَلَيْهِ {وَمَا كَسَبَ} وَهُمْ وَلَدُهُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: جَاءَ بَنُو أَبِي لَهَبٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَامُوا يَخْتَصِمُونَ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، فَدَفَعَهُ بَعْضُهُمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَى الْفِرَاشِ، فَغَضِبَ وَقَالَ: أَخْرِجُوا عَنِّيَ الْكَسْبَ الْخَبِيثَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى يَوْمًا وَلَدَ أَبِي لَهَبٍ يَقْتَتِلُونَ، فَجَعَلَ يَحْجِزُ بَيْنَهُمْ وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ مِمَّا كَسَبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} قَالَ: مَا كَسَبَ وَلَدُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَمَا كَسَبَ} قَالَ: وَلَدُهُ هُمْ مِنْ كَسْبِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَمَا كَسَبَ} قَالَ: وَلَدُهُ. وَقَوْلُهُ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}. يَقُولُ: سَيَصْلَى أَبُو لَهَبٍ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَقَوْلُهُ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. يَقُولُ: سَيَصْلَى أَبُو لَهَبٍِ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، نَارًا ذَاتِ لَهَبٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: "حَمَّالَةُ الْحَطَبِ" بِالرَّفْعِ، غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَاصِمٍ، فَحُكِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ فِيهَا وَالنَّصْبُ، وَكَأَنَّ مَنْ رَفَعَ ذَلِكَ جَعَلَهُ مَنْ نَعَتِ الْمَرْأَةِ، وَجَعْلُ الرَّفْعِ لِلْمَرْأَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخَبَرِ، وَهُوَ "سَيَصْلَى"، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَافِعُهَا الصِّفَةَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فِي جِيدِهَا} وَتَكُونُ "حَمَّالَةَ" نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ. وَأَمَّا النَّصْبُ فِيهِ فَعَلَى الذَّمِّ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهَا عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُعَرَّفَةٌ، وَحَمَّالَةُ الْحَطَبِ نَكِرَةٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: الرَّفْعُ، لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْكَلَامَيْنِ فِيهِ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تَجِيءُ بِالشَّوْكِ فَتَطْرَحُهُ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَدْخُلَ فِي قَدَمِهِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، فَتَطْرَحُهُ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَعْقِرَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَيُقَالُ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: نَقَّالَةٌ لِلْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ كَانَتْ تُلْقِي فِي طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّوْكَ، فَنَـزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الضَّبْعَيْ، مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْجَدَلِيِّ. فِي قَوْلِهِ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَضَعُ الْعِضَاهَ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّمَا يَطَأُ بِهِ كَثِيبً. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، فَتُلْقِيهِ عَلَى طَرِيقِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْقِرَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَأْتِي بِأَغْصَانِ الشَّوْكِ، فَتَطْرَحُهَا بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهَا ذَلِكَ: حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْطِبُ الْكَلَامَ، وَتَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَتُعَيِّرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَقْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: النَّمِيمَةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: أَيْ كَانَتْ تَنْقُلُ الْأَحَادِيثَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَحْطِبُ الْكَلَامَ، وَتَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تُعَيِّرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَقْرِ، وَكَانَتْ تَحْطِبُ فَعُيِّرَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْطِبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قَالَ: كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، فَتَطْرَحُهُ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعْنَى ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ أَلْزَمَ شَيْءٍ لِمَسْرُوقٍ، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} بَلَغَ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُوكِ، قَالَتْ: عَلَامَ يَهْجُونِي؟ هَلْ رَأَيْتُمُونِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْمِلُ حَطَبًا؟ " {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} "؟ فَمَكَثَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَبَّكَ قَلَاكَ وَوَدَّعَكَ'، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وَقَوْلُهُ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. يَقُولُ فِي عُنُقِهَا؛ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْعُنُقَ جِيدًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: فَعَيْنَـاكِ عَيْنَاهَـا وَلَـوْنُكِ لَوْنُهَـا *** وَجِـيدُكِ إِلَّا أَنَّهَـا غَـيْرُ عَـاطِلِ وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ} قَالَ: فِي رَقَبَتِهَ. وَقَوْلُهُ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حِبَالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: حَبْلٌ مِنْ شَجَرٍ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي كَانَتْ تَحْتَطِبُ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: هِيَ حِبَالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ؛ وَيُقَالُ: الْمَسَدُ: الْعَصَا الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ، وَيُقَالُ الْمَسَدُ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي قَوْلِهِ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: حِبَالٌ مِنْ شَجَرٍ تَنْبُتُ فِي الْيَمَنِ لَهَا مَسَدٌ، وَكَانَتْ تُفْتَلُ؛ وَقَالَ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: حَبْلٌ مِنْ نَارٍ فِي رَقَبَتِهَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَسَدُ: اللِّيفُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعً. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: سِلْسِلَةٌ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعً. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: سِلْسِلَةٌ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعً. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: مِنْ حَدِيدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: حَبْلٌ فِي عُنُقِهَا فِي النَّارِ مِثْلُ طَوْقٍ طُولُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعً. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَسَدُ: الْحَدِيدُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: الْحَدِيدَةُ تَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: عُودُ الْبَكَرَةِ مِنْ حَدِيدٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: الْحَدِيدَةُ لِلْبَكَرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَنَا الْمُعَمَّرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} إِنَّهُ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الْبَكَرَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ فِي عُنُقِهَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ حَبْلٌ جُمِعَ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاجِزِ: وَمَسَـدٍ أُمِـرَّ مِـنْ أَيَـانِقِ *** صُهْـبٍ عِتَـاقٍ ذَاتِ مُـخٍّ زَاهِـقِ فَجَعَلَ إِمْرَارَهُ مِنْ شَتَّى، وَكَذَلِكَ الْمَسَدُ الَّذِي فِي جِيدِ امْرَأَةِ أَبِي لَهَبٍ، أُمِرَّ مِنْ أَشْيَاءَ شَتَّى، مِنْ لِيفٍ وَحَدِيدٍ وَلِحَاءٍ، وَجُعِلَ فِي عُنُقِهَا طَوْقًا كَالْقِلَادَةِ مِنْ وَدَعٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: تُمْسِـي فَيَصْـرِفُ بَابَهَـا مِـنْ دُونِنَـا *** غَلْقًـا صَـرِيفَ مَحَالَـةِ الْأَمْسَـادِ يَعْنِي بِالْأَمْسَادِ: جَمْعُ مَسَدٍ، وَهِيَ الْحِبَالُ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ تَبَّتْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. ذُكِرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَسَبِ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ جَوَابًا لَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَـزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَأُنْـزِلَتْ جَوَابًا لَهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: أُنْـزِلَتْ جَوَابًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَنْسُبَ لَهُمُ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ الْمَرْوَزِيُّ وَمَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَا ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُنْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ رَبِّكَ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ مَا هُوَ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} قَالَ: قَالَ ذَلِكَ قَتَادَةُ الْأَحْزَابِ: اُنْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا شُرَيْحٌ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: اُنْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: نَـزَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ الْيَهُودِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، «عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: أَتَى رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَكَّنَهُ، وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْكَ جَنَاحَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَاءَهُ مِنَ اللَّهِ جَوَابُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ. قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} " فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ كَيْفَ خَلْقُهُ، وَكَيْفَ عَضُدُهُ، وَكَيْفَ ذِرَاعُهُ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوَّلِ، وَسَاوَرَهُمْ غَضَبًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، وَأَتَاهُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مَنِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَـزَلَتْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ السَّائِلِيكَ عَنْ نَسَبِ رَبِّكَ وَصِفَتِهِ، وَمَنْ خَلَقَهُ: الرَّبُّ الَّذِي سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ، لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ (أَحَدٌ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرَّافِعُ لَهُ " اللَّهُ "، وَهُوَ عِمَادٌ بِمَنْـزِلَةِ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً بِالِاسْتِئْنَافِ، كَقَوْلِهِ: هَذَا بَعْلِي شَيْخٌ، وَقَالَ: هُوَ اللَّهُ جَوَابٌ لِكَلَامِ قَوْمٍ قَالُوا لَهُ: مَا الَّذِي تَعْبُدُ؟ فَقَالَ: "هُوَ اللَّهُ "، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ أَحَدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ (أَحَدٌ) بِمَعْنَى: وَاحِدٍ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْعِمَادُ مُسْتَأْنَفًا بِهِ، حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّكِّ، كَظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا، وَكَانَ وَذَوَاتِهَا، أَوْ إِنَّ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ أَشْبَهُ بِمَذَاهِبِ الْعَرَبِيَّةِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ {أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} بِتَنْوِينِ "أَحَدٌ "، سِوَى نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمَا تَرْكُ التَّنْوِينِ: " أَحَدُ اللَّهُ "؛ وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، قَالَ: نَوَّنَ الْأَعْرَابُ إِذَا اسْتَقْبَلَتْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ سَاكِنٌ مِنَ الْحُرُوفِ حَذَفَتْ أَحْيَانًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: كَـيْفَ نَـوْمِي عَـلَى الْفِـرَاشِ وَلَمَّـا *** تَشْـمَلِ الشَّـامَ غَـارَةٌ شَـعْوَاءُ تُـذْهِلُ الشَّـيْخَ عَـنْ بَنِيـهِ وَتُبْـدِي *** عَـنْ خِـدَامِ الْعَقِيلَـةِ الْعَـذْرَاءُ يُرِيدُ: عَنْ خَدَّامِ الْعَقِيلَةِ. وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: التَّنْوِينُ، لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ، وَأَشْهَرُ الْكَلَامَيْنِ، وَأَجْوَدُهُمَا عِنْدَ الْعَرَبِ. وَالثَّانِي: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى اخْتِيَارِ التَّنْوِينِ فِيهِ، فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَا مَعْنَى قَوْلِهِ "أَحَد" فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ الصَّمَدُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ الصَّمَدُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى الصَّمَدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِأَجْوَفَ، وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَيْسَ بِأَجْوَفَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ سَوَاءً. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الْمُصْمَتُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جَوْفٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيعٌ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ (: الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ؛ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. قَالَ: ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي مُجَاهِدٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَسَأَلُهُ عَنْ (الصَّمَدِ)، فَقَالَ: الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: (الصَّمَدُ) الَّذِي لَا يُطْعَمُ الطَّعَامَ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، قَالَا ثَنَا ابْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْمُسْتَقِيمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا حِشْوَةَ لَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رُومِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَائِدِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: ثَنِي صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ، قَالَ: (الصَّمَدُ) الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَلِدُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَلَا شَيْءَ يُولَّدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، فَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَا يَمُوتُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَمَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَّدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: الصَّمَدُ: الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: الصَّمَدُ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالُوا: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: (الصَّمَدُ): السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ؛ وَلَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى سُؤْدُدَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (الصَّمَدُ) يَقُولُ: السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ عَظُمَ فِي عَظْمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْجَبَّارُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْعَالَمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يَقُولَانِ: الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ، قَالَ: هَذِهِ سُورَةٌ خَالِصَةٌ، لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: (الصَّمَدُ): الدَّائِمُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الصَّمَدُ عِنْدَ الْعَرَبِ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ، الَّذِي لَا أَحَدَ فَوْقَهُ، وَكَذَلِكَ تُسَمَّى أَشْرَافُهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَلَّا بَكَـرَ النَّـاعِي بِخَـيْرَيْ بَنِـي أَسَدْ *** بِعَمْرِو بْـنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ وَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَلَا رَهِينَةً إِلَّا سَيِّدٌ صَمَدٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، الْمَعْنَى الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَـزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِ؛ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ صَحِيحًا، كَانَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَبِمَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (لَمْ يَلِدْ) يَقُولُ: لَيْسَ بِفَانٍ، لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يَلِدُ إِلَّا هُوَ فَانٍ بَائِدٌ (وَلَمْ يُولَدْ) يَقُولُ: وَلَيْسَ بِمُحَدَّثٍ لَمْ يَكُنْ فَكَّانَ، لِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَحَدَثَ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ، وَدَائِمٌ لَمْ يَبِدْ، وَلَا يَزُولُ وَلَا يَفْنَى. وَقَوْلُهُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا مِثْلٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَوْلَهُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ، وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ أَمِيرَ الْبَصْرَةِ عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَسَّسَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَافِئْهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا}: مَثَلٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: صَاحِبَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: صَاحِبَةٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مَصْرِفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: صَاحِبَةٌ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَالْكُفُؤُ وَالْكُفَى وَالْكَفَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمِثْلُ وَالشَّبَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ بَنِي ذُبْيَانَ: لَا تَقْـذِفَنِّي بِـرُكْنٍ لَا كَفَـاءَ لَـهُ *** وَلَـوْ تَـأَثَّفَكَ الْأَعْـدَاءُ بِـالرِّفَدِ يَعْنِي: لَا كَفَاءَ لَهُ: لَا مَثَلَ لَهُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (كُفُوًا). فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (كُفُوًا) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْفَاءِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَسْكِينِ الْفَاءِ وَهَمْزِهَا " كُفْئًا ". وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، أَسْتَجِيرُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ مِنَ الْخَلْقِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى (الْفَلَقِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى هَذَا الِاسْمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (الْفَلَقُ): سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (الْفَلَقِ): سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْجَوَلَانِيُّ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّأْمَ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى دُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ وَالنَّضَارَةِ، وَمَا وُسِّعَ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ، قَالَ: فَقَالَ: لَا أَبًا لَكَ أَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِمُ الْفَلَقُ؟ قَالَ: قِيلَ: وَمَا الْفَلَقُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ إِذْ فُتِحَ هَرَّ أَهْلُ النَّارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ: (الْفَلَقُ): جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَشْكَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « "الفَلَقُ: جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى"». حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ كَعْبٍ، أَنَّهُ دَخَلَ كَنِيسَةً فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَقَالَ: أَحْسَنُ عَمَلٍ وَأَضَلُّ قَوْمٍ، رَضِيتُ لَكُمُ الْفَلَقَ، قِيلَ: وَمَا الْفَلَقُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ إِذَا فُتِحَ صَاحَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَيْثَمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَبْلِيَّ، عَنِ (الْفَلَقِ)، قَالَ: هِيَ جَهَنَّمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَلَقُ: الصُّبْحُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: (الْفَلَقِ): الصُّبْحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: (الْفَلَقُ): الصُّبْحُ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (الْفَلَقُ): الصُّبْحُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ؛ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: (الْفَلَقُ): الصُّبْحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} يَقُولُ: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، قَالَ: فَالِقُ الْإِصْبَاحِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: الصُّبْحُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: (الْفَلَقُ): فَلَقَ النَّهَارَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: (الْفَلَقُ): فَلَقُ الصُّبْحِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قِيلَ لَهُ: فَلَقُ الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَرَأَ: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: (الْفَلَقُ): الْخَلْقُ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْخَلْقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: لَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (الْفَلَقُ): يَعْنِي: الْخَلْقُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: {أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَالْفِلْقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: فَلَقُ الصُّبْحِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَمِنْ فَرَقَ الصُّبْحِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ فِي جَهَنَّمَ سِجْنٌ اسْمُهُ فَلَقُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَضَعَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {بِرَبِّ الْفَلَقِ} بَعْضَ مَا يُدْعَى الْفَلَقُ دُونَ بَعْضٍ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ رَبَّ كُلِّ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ كُلُّ مَا اسْمُهُ الْفَلَقُ، إِذْ كَانَ رَبَّ جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} لِأَنَّهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ (مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ)، إِذْ كَانَ كُلَّ مَا سِوَاهُ، فَهُوَ مَا خَلَقَ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} يَقُولُ: وَمِنْ شَرِّ مُظْلِمٍ إِذَا دَخَلَ، وَهَجَمَ عَلَيْنَا بِظَلَامِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُظْلِمِ الَّذِي عُنِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اللَّيْلُ إِذَا أَظْلَمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: اللَّيْلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: أَوَّلُ اللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} يَقُولُ: النَّهَارُ إِذَا دَخَلَ فِي اللَّيْلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، إِذَا وَقَبَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (غَاسِقٍ) قَالَ: اللَّيْلُ (إِذَا وَقَبَ) قَالَ: إِذَا دَخَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: إِذَا جَاءَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ (إِذَا وَقَبَ) يَقُولُ: إِذَا أَقْبَلَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ النَّهَارُ إِذَا دَخَلَ فِي اللَّيْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، إِذَا وَجَبَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَوْكَبٌ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَلِكَ الْكَوْكَبُ هُوَ الثُّرَيَّا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: كَوْكَبٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: الْغَاسِقُ: سُقُوطُ الثُّرَيَّا، وَكَانَتِ الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِهَ. وَلِقَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ عِلَّةٌ مِنْ أَثَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي هَمَّامٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: " النَّجْمُ الْغَاسِقُ "». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ: الْقَمَرُ، وَرَوَوْا بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ؛ وَحَدَّثَنَا ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثَنَا أَبِي وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، بِهِ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَة تعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَهَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ"»، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، وَابْنِ وَكِيعٍ. وَأَمَّا ابْنُ حُمَيْدٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: قَالَتْ: «أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَقَالَ: " أَتَدْرِينَ أَيَّ شَيْءٍ هَذَا؟ تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ"». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ. فَقَالَ: "يَا عَائِشَة اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ"». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وَهُوَ الَّذِي يُظْلِمُ، يُقَالُ: قَدْ غَسَقَ اللَّيْلُ يَغْسَقُ غُسُوقًا: إِذَا أَظْلَمَ (إِذَا وَقَبَ) يَعْنِي: إِذَا دَخَلَ فِي ظَلَامِهِ؛ وَاللَّيْلُ إِذَا دَخَلَ فِي ظَلَامِهِ غَاسِقٌ، وَالنَّجْمُ إِذَا أَفَلَ غَاسِقٌ، وَالْقَمَرُ غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ، وَلَمْ يُخَصَّصْ بَعْضَ ذَلِكَ بَلْ عَمَّ الْأَمْرُ بِذَلِكَ، فَكُلُّ غَاسِقٍ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ إِذَا وَقَبَ. وَكَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى وَقَبَ: ذَهَبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قَالَ: إِذَا ذَهَبَ، وَلَسْتُ أَعْرِفُ مَا قَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِهَا مِنْ مَعْنَى وَقَبَ: دَخَلَ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} يَقُولُ: وَمِنْ شَرِّ السَّوَاحِرِ الَّلَاتِي يَنْفُثْنَ فِي عُقَدِ الْخَيْطِ، حِينَ يَرْقِينَ عَلَيْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: مَا خَالَطَ السِّحْرُ مِنَ الرُّقَى. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: السَّوَاحِرُ وَالسَّحَرَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا خَالَطَ السِّحْرُ مِنْ هَذِهِ الرُّقَى. قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَقْرَبَ إِلَى الشِّرْكِ مِنْ رُقْيَةِ الْمَجَانِينِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ إِذَا جَازَ {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا خَالَطَ السِّحْرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الرُّقَى فِي عَقْدِ الْخَيْطِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَخْذُ فِي عَقْدِ الْخَيْطِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قَالَ: النَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ فِي الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْحَاسِدِ الَّذِي أُمِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ حَسَدِهِ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كُلُّ حَاسِدٍ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} قَالَ: مِنْ شَرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ، وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقُ الْقَدَرِ، سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ الْيَهُودِ الَّذِينَ حَسَدُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} قَالَ: يَهُودُ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ إِلَّا حَسَدُهُمْ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، فَعَابَهُ أَوْ سَحَرَهُ، أَوْ بَغَاهُ سُوءًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ قَوْلِهِ {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} حَاسِدًا دُونَ حَاسِدٍ، بَلْ عَمَّ أَمَرَهُ إِيَّاهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَلَقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ أَسْتَجِيرُ {بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ} وَهُوَ مَلِكُ جَمِيعِ الْخَلْقِ: إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِعْلَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ يُعَظِّمُ النَّاسَ تَعْظِيمَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ أَنَّهُ مَلِكُ مَنْ يُعَظِّمُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَجْرِي عَلَيْهِ قُدْرَتُهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّعْظِيمِ، وَأَحَقُّ بِالتَّعَبُّدِ لَهُ مِمَّنْ يُعَظِّمُهُ، وَيُتَعَبَّدُ لَهُ، مِنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ. وَقَوْلُهُ: {إِلَهِ النَّاسِ} يَقُولُ: مَعْبُودُ النَّاسِ، الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} يَعْنِي: مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ (الْخَنَّاسِ) الَّذِي يَخْنِسُ مَرَّةً وَيُوَسْوِسُ أُخْرَى، وَإِنَّمَا يَخْنِسُ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى قَلْبِهِ الْوَسْوَاسُ، فَإِذَا عَقَلَ فَذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسَوَّسَ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسَوَّسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ: يَنْبَسِطُ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَانْقَبَضَ، فَإِذَا غَفَلَ انْبَسَطَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ: الشَّيْطَانُ يَكُونُ عَلَى قَلْبِ الْإِنْسَانِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ (الْوَسْوَاسِ) قَالَ: قَالَ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ الْخَنَّاسُ أَيْضًا، إِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ، وَهُوَ يُوَسْوِسُ وَيَخْنِسُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} يَعْنِي: الشَّيْطَانُ، يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِ ابْنِ آدَمَ، وَيَخْنِسُ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ الشَّيْطَانَ، أَوْ قَالَ الْوَسْوَاسَ، يَنْفُثُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْحُزْنِ وَعِنْدَ الْفَرَحِ، وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (الْخَنَّاسِ) قَالَ: الْخَنَّاسُ الَّذِي يُوَسْوِسُ مَرَّةً، وَيَخْنِسُ مَرَّةً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَكَانَ يُقَالُ: شَيْطَانُ الْإِنْسِ أَشُدُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ، شَيْطَانُ الْجِنِّ يُوَسْوِسُ وَلَا تَرَاهُ، وَهَذَا يُعَايِنُكَ مُعَايَنَةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} الَّذِي يُوَسْوِسُ بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ فِي صُدُورِ النَّاسِ، حَتَّى يُسْتَجَابَ لَهُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ، فَإِذَا اُسْتُجِيبَ لَهُ إِلَى ذَلِكَ خَنَسَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ (الْوَسْوَاسِ) قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْمُرُهُ، فَإِذَا أُطِيعَ خَنَسَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّ شَيْطَانٍ يُوَسْوِسُ مَرَّةً وَيَخْنِسُ أُخْرَى، وَلَمْ يَخُصَّ وَسْوَسَتَهُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا، وَلَا خُنُوسَهُ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَدْ يُوَسْوِسُ بِالدُّعَاءِ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِذَا أُطِيعَ فِيهَا خَنَسَ، وَقَدْ يُوَسْوِسُ بِالنَّهْيِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ أَمْرَ رَبِّهِ فَأَطَاعَهُ فِيهِ، وَعَصَى الشَّيْطَانَ خَنَسَ، فَهُوَ فِي كُلِّ حَالَتَيْهِ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتُهُ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الشَّيْطَانُ الْوَسْوَاسُ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْجِنُّ نَاسٌ، فَيُقَالُ: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ. قِيلَ: قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَاسًا، كَمَا سَمَّاهُمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رِجَالًا فَقَالَ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} فَجَعَلَ الْجِنَّ رِجَالًا وَكَذَلِكَ جَعَلَ مِنْهُمْ نَاسًا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ، إِذْ جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ فَوَقَفُوا، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ نَاسًا، فَكَذَلِكَ مَا فِي التَّنْـزِيلِ مِنْ ذَلِكَ. آخِرُ كِتَابِ التَّفْسِيرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
|